نص فتوى الشيخ القرضاوي
نص الفتوى التي قدمت للشيخ القرضاوي:
"بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلى فضيلة الشيخ الجليل العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله
الموضوع : طلب فتوى.
بناء على الفتوى التي أصدرتموها بجواز امتلاك السكن بقرض ربوي لفائدة المسلمين المقيمين بديار الغربة. فقد أخذ بعض الشباب في المغرب هذه الفتوى وصاروا يوظفونها في بلدهم بدعوى فتوى الشيخ القرضاوي.
سيدي الشيخ: لامتلاك السكن في المغرب، المرء أمام خيارين إما أن يكون له مال فيقتني سكنا أو يقوم ببنائه. ومن ليس له مال فعليه أن يلجأ إلى البنوك للاقتراض، وقد وضعت الدولة تسهيلات في هذا المجال للحصول على قرض ربوي لامتلاك السكن، والمغرب لا يتوفر على بنوك تعتمد المعاملات الشرعية.
لذا يطلب الكثير من الناس بيان حكم الشرع في هذه القضية، هل يجوز في المغرب امتلاك سكن بقرض ربوي؟
وجزاكم الله خيرا، وأطال في عمركم".
جواب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:
"الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، (أما بعد):
فقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء: فتوى تجيز للأقليات المسلمة في أوروبا شراء بيوت للسكن عن طريق القروض البنكية، مراعاة للظروف التي يعيشها المسلمون في تلك البلاد، وحاجتهم الماسة إلى السكن في بيت يملكونه، ولا يتحكم فيهم المستأجر الذي يضيق بسكن المسلمين الذين يتميزون عن غيرهم بكثرة الأولاد، وهو ما لا يحبه الأوروبيون.
وقد أفتى المجلس بأغلبيتة بهذه الفتوى بناء على قاعدة: الضرورات تبيح المحظورات، وهي قاعدة متفق عليها، مستمدة من نصوص القرآن الكريم في خمس آيات، منها قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (البقرة:173).
وقد قرر العلماء الراسخون: أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة.
ولا يختلف اثنان أن السكن حاجة من الحاجات الأصلية للإنسان، كما امتن الله تعالى في كتابه بقوله {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} (النحل:80).
وقد ذكر الإخوة الذين يعيشون في أوروبا: مزايا كثيرة، لشراء هذه البيوت وتملكها. بالإضافة إلى الحاجة إليها.
كما يستأنس هنا بمذهب الحنفية الذي يجيز التعامل بالعقود الفاسدة خارج دار الإسلام، إذا كان فيها منفعة للمسلمين، وكانت برضا غير المسلمين.
وأعتقد أن الأساس الذي بنيت عليه الفتوى للأقليات المسلمة في أوروبا، ينطبق على الإخوة في المغرب، ما دامت الأبواب مسدودة أمامهم لامتلاك بيت بطريق غير طريق البنك التقليدي. فيجري عليهم ما يجري على إخوانهم في دار الاغتراب.
ولا سيما أني سمعت أن الدولة في المغرب لا تكاد تأخذ فائدة، إلا شيئا قليلا، قد يعتبر نوعا من الخدمة ونفقات الإدارة.
وبالله التوفيق".
طالع أيضًا:
نص فتوى الشيخ القرضاوي
نص تعقيب دكتور محمد الروكي
نص بيان هيئة المجلس العلمي الأعلى
نص فتوى الشيخ الزمزمي
نص تعقيب دكتور محمد الروكي على فتوى الشيخ القرضاوي
"نشرت جريدة التجديد في عدده 1494 بتاريخ 25 من شعبان 1427 هـ الموافق 10 من سبتمبر 2006، فتوى عن الاقتراض من الأبناك التقليدية من أجل السكن، للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي، حفظه الله تعالى، وهي تدل بعباراتها على ما يحمله الشيخ القرضاوي من هموم وآلام بأبناء دينه ووطنه، وما يلتمسه لهم من مخارج شرعية، لما هم فيه من شدة وضيق خصوصا في حياتهم الاقتصادية ومعاملاتهم المالية، فجزاه الله خير الجزاء عن الإسلام والمسلمين وأداه مرجعا فقهيا لهذه الأمة.
وقد قرر فيها حفظه الله تعالى جواز اقتراض أهل المغرب من الأبناك التقليدية (الربوية) لحاجة السكن قياسا لهم على إخوانهم في دار الاغتراب الذين أجاز لهم المجلس الأوروبي للإفتاء هذا الاقتراض مراعاة لظروفهم واستئناسا لما ذهب إليه الفقه الحنفي من جواز التعامل بالعقود الفاسدة خارج دار الإسلام.
وفي اعتقادي أن كثيرا من أهل المغرب سيتلقفون هذه الفتوى ويلتهمونها التهاما، ويقدمون آثارها إقداما، وتنزل على قلوبهم بردا وسلاما... ولأجل ذلك يجب إبراء الذمة وأداء الأمانة ببيان ما يجب بيانه لهم، ويمكن تلخيصه في النظر في دلائلها، وعرض بدائلها:
أولا: الدلائل
أ) تجويز الاقتراض المذكور بناه الشيخ حفظه الله على دلائل منها قياس بلد المغرب على البلاد التي هي خارج دار الإسلام، بجامع أن المسلمين في كل منهما لا يجدون غير الأبناك التقليدية الربوية. وهو قياس غير مسلم لانتقاض علته من جهة ولأنه قياس مع الفارق من جهة ثانية.
أما انتقاض علته فيتمثل في أمور منها:
1- المغرب دار إسلام، وهو جزء لا يتجزأ من الوطن الإسلامي فيجب أن تجري عليه أحكام الإسلام، وليس في المغاربة أحد يقبل غير هذا، كيف وهو البلد الوحيد الذي ما زال يحافظ على إمارة المؤمنين.
2- المذهب الحنفي المستأنس به في هذه الفتوى لم يبنِ حكم الجواز على ظروف المسلمين ومضايقات المتعاقدين معهم من أهل بلد الاغتراب، وإنما بناها على مجرد كون المسلم في بلد غير بلاد الإسلام لتعذر تطبيق بعض الأحكام الشرعية فيها ولا سيما أحكام المعاملات المالية.
فمناط حكم الجواز هنا هو وجود المسلم في أرض غير أرض الإسلام؛ لأن ذلك مظنة المشقة والحرج، وهما مرفوعان عن المكلف؛ لذلك رخصوا له بالتعامل بالعقود الفاسدة، وقياس بلد مسلم على بلاد غير المسلمين هو من باب القياس في الرخص والتوسع فيها ومجاوزتها محلها، وهو مردود عند كثير من الفقهاء منهم الحنفية.
وأما الفارق فيتمثل في أن ظروف الأقليات المسلمة في بلاد الغرب وما تعيشه من مضايقات وضغوط تلجئهم إلى الأخذ بهذه الرخصة والعمل بهذه الفتوى هي غير ظروف المسلمين في بلاد الإسلام كالمغرب مثلا، فمع أنه لا توجد فيه إلا الأبناك التقليدية الربوية، لا يعرف هذه المضايقات والضواغط من الملاك المؤجرين، بل قد يكون العكس أحيانا. وإذا كانت هناك فئة من الناس تعاني شيئا منه فإن هناك بدائل ستعرض في محلها.
وإذًا فقياس المغرب على غير دار الإسلام لا يستقيم في التأصيل، ولا يقبله المغاربة على مستوى التنزيل يضاف إلى ذلك أن هذه الفتوى مبنية على فتوى المجلس الأوروبي للإفتاء، وقد صدرت منه بأغلبية أعضائه لا بكلهم، فإذا اختلف علماء هذا المجلس في هذه الفتوى وهي مراعية حال الأقليات المسلمة في بلاد الغرب، فكيف بهم في الفتوى للمقيمين في ديار الإسلام، والحال أن أعضاء هذا المجلس إنما هم بعض علماء الأمة.
ب) استندت الفتوى أيضا على قاعدة: الحاجة تنزل منزلة الضرورة. وهذه القاعدة أساسها القياس أيضا، فقد قيست الحاجة على الضرورة المبيحة للمحرم بجامع رفع المشقة والحرج. لكن القاعدة الأم وهي أن الضرورات تبيح المحظورات، مقيدة بأخرى وهي أن الضرورة تقدر بقدرها، فيلزم أن تقرر الحاجة بقدرها أيضا، وعامة الناس لا يعرفون قدر الضرورة الشرعية، فضلا عن الحاجة المنزلة منزلتها؛ فالترخيص لهم بالمحرم يعني فتح بابه على مصراعيه.
ثم إن الحاجة في السكن إنما هي في الحصول على منفعة السكنى، لا على ملك رقبة المسكن، فالذي يحتاج إليه الإنسان في هذا الباب هو أن يسكن لا أن يملك المحل. وإشباع هذه الحاجة حاصل بالإيجار، فالقادر على تسديد أقساط القرض البنكي قادر على تسديد أقساط الإيجار، فلا وجه مع هذا للإقدام على المحرم.
يضاف إلى ذلك أن هذه الفتوى تمثل وجهة نظر فقهية وهي موجهة إلى المستفتي فيها بعينه، مقدرة بحاله، فلا يجوز تعميمها فتصبح تشريعا.
ثانيا: البدائل
المسلمون في بلاد المغرب إذا انسدت في وجوههم أبواب الاقتراض من أبناك غير ربوية، فهناك بدائل مفتوحة أبوابها في وجوههم، منها:
1- امتلاك المسكن عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك (الليزينك) إذا استوفى شروطه التي يتحقق بها التكييف الشرعي له.
2- امتلاك المسكن عن طريق البيع إلى أجل، ويوجد في المغرب ـ على اختلاف مدنه ـ مقاولون مستعدون للتعامل بهذه الطريقة على الوجه الشرعي مع تسهيلات تتفاوت من بعضهم إلى بعض.
3- امتلاك المسكن عن طريق الجمعيات التعاونية التي من حقها أن تسلك الأساليب القانونية بعيدا عما يوقعها في التعامل الربوي.
4- امتلاك المسكن عن طريق الاستفادة من الصناديق الاجتماعية التي توفرها مؤسسات في القطاع العام والخاص لموظفيها ربحا لوفرة مردودهم وكثرة مجهودهم، فلا مانع من الاستفادة من هذه الصناديق على وجه الاقتراض غير الربوي إذا توفرت شروطه.
ونأمل بهذه المناسبة أن يفتح في المغرب المسلم بنك إسلامي تحل به هذه المشكلات، وتنسد له الثغرات، ويتقوى به الاقتصاد الوطني والله تعالى من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل". اهـ.
طالع أيضًا:
نص فتوى الشيخ القرضاوي
نص تعقيب دكتور محمد الروكي على فتوى الشيخ القرضاوي
نص بيان هيئة المجلس العلمي الأعلى
نص فتوى الشيخ الزمزمي