الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن
الاهتمام بالقرآن وتفسيره مظهر من أهم مظاهر الاهتمام بالإسلام ، ومنذ عصر الإسلام الأول ومكتبة التفسير تزداد غنى وتضخماً ، حتى أصـبـح القارئ اليوم يجد نفسه في حيرة أمام هذه الكتب ومناهجهاً ، فلا يكاد يـسـلـم لـه اختيار ، ولا تستقيم له قراءة ، إذا لم يبذل جهداً كبيراً في اختيار الكتاب والكاتب ، من هذا الـمنطلق عنى جماعة من علماء المسلمين بأصول التفسير ومنهجه ، فكتبوا -عن التفسير وتاريـخـه ومـراحـل تـطـوره، وكـتـبوا عن الـمـفـسـريـن واتـجـاهـاتـهم وغاياتهم ، ليخلصوا بعد ذلك إلى منهج واضح في التعامل مع المفسرين في كتبهم،تعين الـقـارئ الـمـسـلم في تناوله لكتب التفسير ، وتجعل أمامه معايير واضحة في القبول والرد لأي فكرة أو عبارة.
ويعد الشيخ الدكتور محمد حسين الذهبي - رحمه الله - واحداً من علماء المسلمين الذين تخصصوا في التفسير وعلمه، فعاش مع الأولين والآخرين من خلال قراءته لكتبهم المطبوعة والمخطوطة ، ويكفي شاهداً على مكانـتـه في هذا المجال كتابه القيم "التفسير والمفسرون"، غير أن للشيخ كتيباً آخر - وإن كان جــزء كبـيـر منه مأخوذاً من الكتاب الأول - يقع في حوالى مائة صفحة تحت عنوان:"الاتجاهات المنحرفة في تفسير القرآن دوافعها ودفعها"، ومع صغر حجم الكتاب إلا أنه وفي الموضوع توفـيــة جـيـدة ، وأبان فيه كثيراً من أحوال الذين دخلوا عالم التفسير ولكن لم تسلم مؤلفاتهم من انحـرافـات وأخطاء ، ولا نعني بها الأخطاء الفردية الجانبية ، بل المنهجي منها ،حيث يلتزم المؤلف في تفسيره منهجاً غير سليم في تناول النصوص القرآنية يخالف أهل السنة.
والكتاب يقع في مقدمة وتسع مقالات ، تكلم في المقدمة عن تـدرج الـتـفـسـيـر ، وعن مبدأ ظهور الانحراف ، ثم في المقالات التسع: ذكر أحوال تسعة اتجاهات تناولت القرآن تناولاً فيه انحراف في جانب من جوانب منهجها.
المقدمة:
تكـلمت المقدمة أولاً عن:تدرج التفسير، فتكلم المؤلف في البداية عن تفسير الـنـبـي -صلى الله عليه وسلم- القرآن للصحابة ، وذكر خلاف العلماء حول: هل فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن جميعه للصحابة أم بعضه؟ واختار: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما فسر معظم القرآن ، وأن هناك أشياء لم يفسرها للصحابة مثل ما استأثر الله بعلمه ، أو ما تـعـرفـه الـعـرب بلغـتها ، أو ما يعرفه المرء من القرآن بداهة ، أما الأمور التي هي من اختصاص العلماء فهي التي كانت مجال التفسير كبيان المجمل ، وتخصيص العام وتقييد المطلق... وغير ذلك مما خفي معناه والتبس المراد به.
ثم جاء بعد ذلك عصر الـتـابـعين الذين أخذوا التفسير مشافهة من الصحابة ، وزادوا على ذلك باجتهاداتهم بمقدار ما زاد مــن الغموض الذي كان يتزايد كلما بعُد الناس عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم. وهكذا استمر تنقل التفسير بين الطبقات، يزداد الناس بعداً عن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وتـزداد اجـتـهـادات العـلـمـاء لسد تلك الفجوة ، حتى ظهر عصر التدوين.
ويقسم المؤلف مراحل التفسير منذ عصر التدوين إلى يومنا هذا إلى أربع مراحل ؛ فيجعل:
الأولى: يوم كان التفسير جزءاً من كتب الحديث ، وكان التفسير بالمأثور يروى بأسانيده ، وأحياناً يفرد له باب داخل كتب الحديث.
والمرحلة الثانية: يوم انفصل التفسير في كتبه المستقلة ، ومن أعلام هـذه الـمرحلة - عند المؤلف -: ابن ماجه (ت:237 هـ) وابن جرير الطبري (ت: 310 هـ) وغيرهما ، وقد عدّ الكاتب هاتين المرحلتين من المراحل الخيِّرة في تاريخ تدوين التفسير بالمأثور.
ولـكـن الـمرحلة الثالثة:لم تكن كسابقتيها ، حيث شهدت ظهور تفاسير لم تعـتـن كـثـيـراً بالأسانيد وإثـبـاتـهــا،بل عمدت إلى اختصارها وذكر أقوال السلف من غير سند ، ومأخذ الكاتب على هذه الـمـرحلــة نـنـقـلـه بعبارته ؛ حيث يقول:" فدخل الوضع في التفسير ، والتبس الصحيح بالعليل ، وكان هذا مبدأ ظهور الوضع في التفسير.
ثم تأتي المرحلة الرابعة: وهي أوســع الـمراحل حيث امتدت من العصر العباسي إلى هذا اليوم ، يقول- رحمه الله-: فبعد أن كان التفـسـيـر مقصوراً على رواية ما نقل عن سلف هذه الأمة ، وجدناه يتجاوز هذه الخطوة إلى تدوين تـفـاسـيـر اخـتـلـط فيها الفهم العقلي بالتفسير النقلي ، وكان ذلك على تدرج ملحوظ ،فبدأ أولاً على هـيـئــة محـاولات فهـم شخـصـي وترجيح بعض الأقوال على بعض ، وكان هذا أمراً مقبولاً مادام يرجع الجانب العقلي منه إلى حدود اللغة ودلالة كلمات القرآن. ولكن جانب الفهم العقلي أخذ يخرج عن إطاره الـمـقـبـول مــع مرور الزمن،إلى أن وصل إلى مرحلة قال عنها: حتى وُجد من كتب التفسير ما يجمع أشياء كثيرة لا تكاد تتصل بالتفسير إلا عن بُعد عظيم.
واشتملت المقدمة كذلك على مبحث في: مبدأ ظهور تلك الاتجاهات المنحرفة ، مع دراسة تحليلية موجزة لأسباب ذلك.
ليس من الصعب عـلـى مـن يـقــرأ كــلام الـمـؤلـف أن يخلـص إلى أنه يرجع أسباب تلك الانحرافات إلى عاملين: أولهما: حذف الأسانيد ، والعامل الآخــر: اتجاه أهل الرأي في تفسير القرآن ،حيث يقول: ولاشك في أن انتهاء التفسير بالرأي إلـى إخـضـاعـه لـمـيـولٍ شخصية ومذاهب عقدية وغير عقدية فتح على المسلمين باب شر عظيم. ولهذا العامل عنده سببان:
أولهما: أن يعتقد المفسر معنى من المعاني ، ثم يريد أن يحمل ألفاظ القرآن على ذلك المعنى قـسـراً ، وإن كـان ما قـصــد إليه معنى حساً ، ولكن لا علاقة له بالآية ، كمن فسر قوله تعالى: ((ولَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِــمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم)) [النساء / 66 ] ، بأن قتل النفس هنا: مخالفتها ، والخروج من الديار هو: إخراج حب الدنيا من القلوب. وقد يكون المعنى الذي قصد إلـيـه خطأ أصلاً ، ومع هذا يريد أن يحمل كلام الله عليه ، ومثل على ذلك بمن فسر قوله تعالى: ((واذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً )) [المزمل /8 ] اذكر اسم ربك الذي هو أنت ، أي: اعرف نفسك ولا تنسها فينسك الله.
والسبب الثاني: أن يقف المفسر مع ظاهر اللفظ ،دون نظر في حال القوم الذين نزل فيهم القرآن ، أو سبب نزول الآية.
وبعد هذه المقدمة ، بدأ في تناول الاتجاهات المنحرفة وهي:
1 - اتجاه الإخباريين والقصاص.
2 - اتجاه أصحاب المذاهب النحوية.
3 - اتجاه من يجهل قواعد النحو.
4 - اتجاه المعتزلة.
5 - اتجاه الشيعة.
6 -- اتجاه الخوارج.
7 - اتجاه الصوفية.
8 - اتجاه أصحاب التفسير العلمي.
9 - اتجاه مدعي التجديد.